روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | أم وأبنتها في قبضة الهيئة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > أم وأبنتها في قبضة الهيئة


  أم وأبنتها في قبضة الهيئة
     عدد مرات المشاهدة: 2852        عدد مرات الإرسال: 0

شكرا لك أيها الشيخ، ينطق بها لساني كلما جاءت ليلة خميس... وتهمس بها نبضات قلبي كلما سمعت هدير البحر...وكلما وقفت على ساحله... شكراً لك... لقد أنقذت أسرتي من التدمير... وحياتي من الهلاك...

شكراً لك أيها الشيخ الكريم... فلن أنساك ولن أنسى تلك الليلة... حيث كان الموعد، عشت فيها لحظات من الترقب، الخوف، القلق، مكثت في غرفتي أراقب أمي التي تستعد للخروج وهي تضع اللمسات الأخيرة على وجهها... هاهي تقف أمام المرآة تتفقد شعرها، تتأكد من فستانها، تبدوا هذه الليلة أجمل من كل ليلة، إختارت حقيبتها، وضعت عباءتها على كتفها، إنها تناديني، أسرعت نحوها، حاولت أن ابدوا طبيعية، لم تتأملني كثيراً، كانت تنظر إلى ساعتها وهي تتحدث معي... قالت: أبوك لن يعود هذه الليلة... طرت من الفرحة، أسرعت لكي أضمها وأقبلها، نهرتني، إبتعدي عني لقد تعبت في عمل كل هذا، تأسفت لها... فرحتي لم تثر فضولها، فقد كانت مستعجلة جداً، وكنت أكثر إستعجالاً منها... أغلقت الباب وراءها وهي تقول: أخوك سيعود بعد قليل، مسكينة أمي أخي ذهب في رحلة مع أصدقائه ولن يعود الليلة... أسرعت نحو غرفة أمي، بدأت أقلدها في كل شيء، نظرت إلى المرآة، صففت شعري، ولبست فستاناً جميلاً، إخترت حقيبة جذابة، وخرجت من البيت...

وهناك على شاطئ البحر جمعتنا لحظات من اللهو والغفلة، نخوض في المعاصي، نمارس الحب الزائف.

يصفني بالأدب والحياء فأغمض عيني وأرخي رأسي إلى الأرض، يا له من كاذب فلو كان صادقاً ما خرجت معه، ثم يصف جمالي ورقتي، إقترب مني أكثر مد يده لتلامس يدي، شعرت بقشعريرة سرت في جسدي، حاولت إبعاد يده، أمسكها بقوة...

صوت قادم من ورائي، السلام عليكم، إنتصب واقفاً، تصبب العرق منه رفعت رأسي نحوه، تحولت تلك النظرات الناعسة والعيون الذابلة إلى عيون خائفة، شعرت بالخوف الشديد همس لي لقد وقعنا إنها الهيئة...

تعثرت الكلمات في فمي، أسقط في يدي، إستسلمت للأمر الواقع... ركبت في سيارة وبها مجموعة من النسوة، شعرت حينها بأنني مجرمة خطيرة، مجرمة في حق نفسي، في حق أمي وأبي، في حق أسرتي، تصورت والدي قد اسود وجهه، وأمي تبكي بلوعة وحسرة، شعرت بأخي قد نكس رأسه بين شباب الحي، سمعت حينها همسات الجيران النساء والرجال وحتى الأطفال: لقد أمسكت بها الهيئة مع عشيقها على البحر، إنها حامل وأسقطت الجنين، لم يحسنوا تربيتها... رأيت زنزانة كئيبة أقبع خلفها وقد حُكم عليّ بالسجن... تذكرت حينها غضب الله وسخطه، تذكرت نار جهنم... جرت الدموع على خدي، بكيت بحرقة...

صرخات في داخلي تتوالى تزيد من ألمي وحزني: أبي، أمي، أخي إنتم السبب، أين أنتم عني لماذا تركتموني للذئاب؟... ياليتني مت قبل هذا... أظلمت الدنيا في عيني، فلم أر شيئاً، الوقت يمضي بسرعة كبيرة، تمنيت حينها لو أن الزمن يتوقف، أغمضت عيني وفتحتها، ثم أغمضتها وفتحتها، وفي كل مرة أجد نفسي أمام الحقيقة المرة، لقد تم القبض عليّ مع رجل أجنبي، وهذا يعني السجن، عاودت البكاء من جديد....

وصلت السيارة إلى مقر الهيئة، نزل الجميع، يمشين وكأنهن يسقن إلى الموت.

فتح الشرطي الباب، وليته لم يفتحه، وقفت ولم أتحرك، صرخ بي إدخلي، ود حينها أن يقول ليّ أيتها الفاجرة لكنه أمسك بها، وربما نطق بها قلبه، إنخرطت في بكاءٍ رهيب كدت أن أسقط، رحمني قليلاً، أقبل مجموعة من النسوة، أمسكن بيدي وأدخلني إلى الغرفة، رحن يصبرنني، وكلما رفعت رأسي وتأملت النساء عاودتني نوبة البكاء مرة أخرى، أشفق النساء لحالي، ورحن يذكرنني بأن الله غفور رحيم، وأن كل البشر يخطئون ويتوبون ولكن بكائي يزداد مع الوقت، همت واحدة منهن أن تكشف غطاء وجهي الذي التصق به من كثرة الدموع، أمسكت به بقوة، قالت: إرتاحي يا ابنتي، لا يوجد رجال هنا، رفضت فإنصاعت لرغبتي وعادت إلى مكانها.... بدأ النساء يكتبن أرقام الهواتف لإستدعاء أولياء أمورهن...

طرقت على الباب، فجاء الشرطي، طلبت منه الإلتقاء بالشيخ ذهب قليلاً ثم عاد وفتح الباب، سار وسرت وراءه، جلست في الغرفة انتظر، جاء الشيخ شعرت بالخوف، أصابتني نوبة بكاء رهيبة...

قال الشيخ: هوني عليك يا ابنتي، ماذا حدث لك؟ ابنتي أنا! الشيخ يناديني: يا ابنتي.. وأنا... انطلق حينها لساني وقلت: يا شيخ أنا داخلة على الله ثم عليك، استر عليّ... تعجب الشيخ مني وقال: ما الذي حدث؟ إستعجم لساني ولم إستطع أن انطق، شعرت بغصة في حلقي وبكل صعوبة نطقت: أمي في الغرفة معي ياشيخ... تغير وجهه وبدا عليه الحزن، أطرق برأسه نحو الأرض، ثم قام يمشي في الغرفة... سمعته يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، الأم وابنتها، أين الأب، أين الأخ، لاحول ولاقوة إلا بالله، على من نتصل على الأب أو على الأخ، لا حول ولا قوة إلا بالله...

حاولت الوقوف لكن قدماي لم تستطيعا حملي، رحت أتوسل إليه بكلماتٍ متقطعة، أنا نادمة على ما حدث، أرجوك لا تفضحني وأمي، الفضيحة تعني دمار أٍسرة، وضياع الأم والابن وأنا، كل شيء سيدمر، أرجوك ياشيخ... سكت لحظة ثم خرج، وعدت أنا إلى البكاء...

وبعد لحظات دخلت أمي، ألقيت بنفسي بين أحضانها، بكينا سوياً، رفعت رأسي نحوها: أمي اقتليني يا أمي أنا استحق ذلك، وأخفيت رأسي في صدرها... قالت: بل أنا التي إستحق القتل، سامحيني يا ابنتي لقد أطعت الشيطان وسرت مع شهوات نفسي، وتركتك للفراغ الذي قادك إلى هنا حيث الفضيحة والعار، يالله، إنها مصيبة لن يتحملها أبوك، يا ألهي لقد خسرت كل شيء، كل شيء... ثم شهقت شهقة ظننت أن روحها ستخرج معها، هوى جسدها نحو الأرض، أسندتها بيدي، وصرخت أمي لاتموتي يا أمي، أحتاج إليك يا أمي، أجلستها على الكرسي، إنهمرت الدموع مني بغزارة، لحظات لم أعد أرى شيء، بعدها شعرت، بيدها تربت على رأسي، رفعت رأسي نحوها، كانت ترمقني بعينين حزينتين، ظلت صامتة... طرق الشيخ على الباب ثم دخل، وبهدوء جلس يعظنا ويخوفنا بالله عز وجل، أوصى أمي بالعناية ببيتها وزوجها وأبنائها... أوصاني بطاعة أمي وتقديرها، وأن الذنب الذي وقعت فيه لا يعني عدم طاعتها وإحترامها، وأن المؤمنة تخطئ فإذا تابت قبل الله توبتها...

الحمدلله أن الجرة لم تكسر، وليس كل مرة تسلم الجرة... سألني هل يرضى ذلك الشاب لأخته أن تخرج مع شاب أجنبي عنها؟ وهل يرضى شاب بأن يتزوج من فتاة تخرج معه؟ شعرت بكلمة: لا.. تنبعث من قلبي، وشعرت بصدق الشيخ وحكمته... هدأت نفسي، شعرت بعدها بالندم على تفريطي، وحمدت الله أن الهيئة قبضت عليّ قبل أن تكسر الجرة، وأفقد عفتي مع ذلك الشاب المخادع... عدنا إلى البيت بقلوب منكسرة، لجأت أمي إلى الصلاة، قامت تبكي وتصلي، وبين لحظة وأخرى، تحضنني وتقبلني، لقد شعرت بحنانها وحبها، شعرت بشفقتها ورقتها، شعرت بأن ليّ أم ولأول مرة منذ زمنٍ بعيد...

تغيرت أمي كثيراً وتغيرت أنا، حتى والدي تغير ولم يعد يخرج من البيت كثيراً.

أخي أيضاً تغير، عاد الحب إلى البيت وعادت الآلفة والمودة بيننا جميعاً... وظلت كلمات الشيخ: الحمدلله إن الجرة هذه المرة لم تكسر، وليس كل مرة تسلم الجرة أرددها مع نفسي وأحياناً أشدو بها...

وها أنا ذا مع زوجي في مملكتي الصغيرة مع إنتي التي أتمنى أن أرعاها وأحافظ عليها، ولن أنسى ما حييت أن أعلمها أن تدعو في كل صلاة للشيخ الذي أنقذ حياة أمها من الغرق في البحر، في ليلة خميس...

= قصة من الواقع =

الكاتب: عبدالله الهندي.

المصدر: موقع طريق التوبة.